
الكتابة النسائية أو الإبداع النسائي عموما من الموضوعات الأكثر إشكالية من حيث التصنيف ، لأننا حين نتحدث هنا فالموضوع يأخذ اختلافا جنسيا،لا أجناسيا ،غير أنها ليست كذلك ،بل هي نوع من الكتابة التي تنتمي إلى مجموعة ثقافية نفسية مختلفة في شكل اجتماعي ،مما يعطي لكتابتها تمييزا يختلف عن التجربة الرجالية إن شئنا القول .
إن الكتابة النسائية تحتاج إلى رد الاعتبار و إعادة التأمل ،لما طالها من التهميش و الاقصاء و الظلم ، فالقارئ أو المطلع على الجذور الأدبية الممتدة عبر التاريخ الأدبي سيجد تحجيبا و تحجيما و تعتيما على الخطاب الأنثوي في الأدب عموما ،و في الشعر خاصة ،حيث ظلت النصوص التي وصلتنا بسيطة و منها ما يحيل إلى الاستسلام و الانكسار و التوجع، مثلا نجد نصوصا تتعلق بالرثاء ،فعندما نستحضر الخنساء، نستحضر البكاء و التفجع ،هل هذا يعني أن شاعرتنا لم تكتب في موضوعات و أغراض أخرى غير الرثاء ؟… عندما نذكر ليلى الأخيلية نستحضر الانكسار و رثاء الحبيب ..
إن سمات و ملامح الكتابة النسائية ارتبطت بمشاعر الضعف لا القوة ،بمشاعر الهزيمة لا الشجاعة ،و كأنه ينبغي عليها ألا تعبر إلا في هذه الخانة و إلا لن يُسمع صوتها .. …هذا من جهة .و من جهة أخرى كان الأمر صعبا أن توقع المرأة عملها أو كتابتها باسمها و هذا ما صرحت به الإعلامية و الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد في مقدمة كتابها “رجوع إلى الطفولة ” فقد كان مكروها على المرأة أن تكتب ،أن تعبر عن مواقفها تجاه الحياة ، كان صمتها يعني وقارها و حياؤها ،لا ننسى أن فدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية اتهمت بأن أخاها إبراهيم طوقان هو من كان يكتب لها ….و أذكر في هذا السياق الكاتبة الجزائرية المدهشة أحلام مستغانمي و ما تعرضت له عقب نجاحها الباهر عند صدور روايتها “ذاكرة جسد ”
فقد قيل لها هي ليست لك ، فلغة الكاتبة الروائية بالفعل كانت استثناء ….فصدر بعدها” فوضى الحواس” و” عابر سرير “و غيرها من الإبداعات…..لتؤكد انها كاتبة بالأصالة ……
إن خوف و تردد المرأة في الكتابة و التعبير جعلها تخرج باسماء مستعارة،ظلت مجموعة من الكاتبات يختفين وراءها على سبيل الذكر لا الحصر ،بنت الشاطئ، و رفيقة الطبيعة … و في مقابل ذلك كنا نجد ألقابا كبيرة لرجال ، مثلا أمير الشعراء ، شاعر النيل …..
هذا الوضع لم يدم طويلا ،حيث ستعرف الكتابة النسائية محاولات للخروج من بين مطرقة الاضطهاد و سندان الزجر لترتبط بالتطور الحاصل في نضال المرأة و ما تتبناه الحركات النسائية و التي بدأت مطالبها بتعليم المرأة، ثم سارت نحو تحقيق غايات منشودة ،و لم تكن كتابات المرأة في منآى عن المعترك النضالي و مع الخمسينات و الستينات من القرن الماضي ،دشنت تغييرا في المشهد الإبداعي ،فظهرت تجارب روائية لكاتبات عربيات ……..
(يتبع )
من مداخلة بعنوان :” الكتابة النسائية في الجنوب ، الراحلة عزيزة يحضيه عمر الشقواري نموذجا “شاركت بها في المعرض الجهوي للكتاب بمدينة تزنيت .