
يحدث أن يصل بك العمر إلى مرحلة؛ تئن فيها إلى أيام خلت، ماضي قريب من الذاكرة بعيد في الزمن… أيام تحمل ذكريات يصعب نسيانها، لأنها أضحت تسكنك وستسكنك لأجل مسمى، تعد من عبق الماضي المزهر، أصبحت الآن تفتقد تلك اللحظات والمواقف والأحداث التي رغم بساطتها لها أثر في المهج.
الأماكن هي نفسها، لكن الأرواح تغيرت بتغير الزمن، أرواح ألفتها وألفتك وتحقق الاتصال العلوي ، كما قال بذلك أديب الاندلس ابن حزم؛ تجلس برهة من الزمن، مغمضا عينيك، فيتسلل إليك شوق وحنين…، لتلك الأرواح، الاماكن، الأشياء…تستعيد شريط الزمن الماضي، تفتح فينيك بسرعة لكي لا توقظ مشاعرا وأحاسيس دفنت في قاع الذاكرة….ويوقظ معها الألم والأمل من جديد. تجد نفسك الأخرى تغيرت، منطق التفكير، الاهتمام،..أشياء كنت تقدسها أضحت بدون قيمة الآن…تدرك حتما أن العمر كقيل بتغيير الإنسان.
الزمن كفيل بتصحيح الأخطاء و رجوع المياه إلى مجاريها، تفقد ذلك الاهتمام الزائد المفرط بالأشخاص والأماكن، كل شئ أضحى باردا؛ حتى القهوة التي كنت تعشقها ساخنة، أصبحت تشربها باردة، تلك الردود الباردة التي كانت تزعجك وتشعرك بالأسى والألم، أضحيت الآن تتلقاها بشكل عادي دون أن تحدث فيك صخبا، مهما كانت حجمها…
تتيقن مجددا أن تغيير مهولا حصل، وتدرك جدية هذا التغيير من خلال أمور كثيرة…
تسأل نفسك بين الحين والآخر لعلك تقنع نفسك، عن الباعث وراء هذا التغيير؟؟؟أسئلة كثيرة تراود مهجتك، يستعصي عليك إيجاد إجابات تشفي الغليل…
توقن بعد مدة من الزمن أن الإعتياد والخيبة… يفقد الأشياء جاذبيتها، فالاعتياد يجعل الاشياء تصبح بدون تأثير ومعنى…والخيبة هي الأخرى كل شئ تجعلك تألفها ولم تعد تأثر فيك كما كان في السابق…
…سقى الله تلك الأيام بماء الأبد