
إذا انقلب الليل نهارا والنهار ليلا في عينيك فاعلم أنها علامات بؤس، وهو آت ليلازمك ويصاحبك، وهكذا كل أمر من أمور الحياة إذا جاء منقلبا ظهرا على بطن، شرقُه في غربه وشماله في جنوبه؛ كقارورة العطر تفتحها فتداهمك برائحة العفن !
هو كذلك العجب حين تميل الأشياء إلى غير فطرتها السليمة؛ الفرح وقتَ الحزن ،والغضب وقتَ الحِلم، والموت وقتَ الحياة… وقس على سلسلة المتضادات تلك. وهي نفسها المتضادات التي نخضع لها يوما بعد يوم وإن كنّا ندعي غير ذلك، كاذبين على أنفسنا كالعادة !
إن الوردة، وإن نبتت في مستنقع، قد تتفتّح وريقاتها وتغري العيون بألوانها الزاهية، فيحسبها الرائي ضاحكة ملء الفرح والغبطة، غير أنها ألوان غير الألوان وضحكٌ غير الضحك، وهي الوحيدة _ النابتة في المستنقع_ العارفة بمكامن البؤس بين وريقاتها وألوانها الجميلة؛ تماما كالظبية تشع عيناها وتتلألآن لا من حُسن ما رأت، ولكن من شدة ذُعرها إذا استروحت السّباع ووجدت ريحها في الهواء، ومثلها يعرف رائحة الموت إذا اقترب منها… فأي بؤس أشد من هذا ؟
طلع البؤس علينا حتّى ضوعِفت أثقاله على الناس، لدنيا انتكست انتكاستها أم لدهر فسد فساده أم لقلوب أحكمت أقفالها ؟ أما الإجابات فمؤجلة و لا داعي أصلا لمطاردتها، لأن النتائج إذا بدت لا تهمّ بعدها الأسباب والحيثيات … والبيت إذا تهدّم بزلزال لا تجد صاحبه باحثا عن درجة قوّته على سلّم ريشتر، إنّما تلقاه باحثا عن لبنات جديدة يُقيمُ بها بيتا جديدا…
لطيفة أثر رحمة الله