تربية وتكوين

الفتاة القروية ( بين التعثرات و التهديد بالانقطاع عن الدراسة)

 

عرفت الأزمنة الغابرة مقبرة لحقوق المرأة بصفة عامة، لتعرف انتفاضة و ثورة في الفترات الحديثة و المعاصرة. لكن تلك الشرارات ظلت حبيسة ثقافات و حضارات تقنن حرية المرأة الفكرية و ميولتها في اعتلاء المركزية في اتخاذ القرار . لتحاول جاهدة منذ بكورة التاريخ النهوض بجذورها لتثمر و ان أينعت كقطرات الندى الطفيفة . من بين الانجازات التي حققتها هو ” تعليم الفتاة القروية ” و حصولها على الأقل على ” الشهادة الابتدائية ” ، فهذه الفئة لفترتنا الآنية تعاني الويلات بسبب مجموعة من الظروف ، فتعرقل سيرها تعثرات كما تهددها بالانقطاع عن الدراسة . مما يدفعنا الى الغوص في تقصي الحقائق و العلل المسببة في ذلك ، فنستعين بمنهج ينطلق من الكليات نحو الأجزاء التفصيلية لقضية الاناث المتعثرات في الدراسة و المهددات بالانقطاع في العالم القروي بالمغرب بصفة عام ، متخذين فئة من ضواحي مدينة سيدي بنور كعينة لدراسة و التعميم على أرجاء القرى في البلاد .

تفاعلا مع المنهج السالف ، قامت الأستاذة ” لبنى بطاهر” بالمشاركة مع ” منظمة الكشاف المعاصر المغربية ” بتنسيق مع ” المديرية الاقليمية لسيدي بنور” ، بصفتها مساعدة اجتماعية حول دراسة ” تعثرات المهددين بالانقطاع ” ( برنامج المواكبة التربوية موسم 2022-2023) ، تم اتخاذ عينة من المتعلمات يبلغ عددهم 21 تلميذة ب ” مركزية م/م بوحمام ” وهي احدى المدارس القروية لمدينة سيدي بنور التابعة لجهة الدار البيضاء-سطات . حيث أفادت المعطيات التي تم تحصيلها من طرف الأستاذة ( = صفة المساعدة الاجتماعية ) ، بالتصريح التالي : أولا بخصوص المعطيات الشخصية للأبوين : تفيد كون الوضع مزريا من الناحية الاجتماعية الا أنهم يعيشون وضعا مستقرا مع أسرهم ، كما أفادت الإحصائيات بأن 13 متعلمة من أصل 21 يعيشون مستوى معيشي متوسطا بالرغم من وجودهم في البادية .

علاوة على ذلك ، خلصت المعطيات الأسرية للمتعلمات بأن : 21/19 من الآباء غير موظفين في وظيفة عمومية ، كما أن 21/9 فقط من يعرف القراءة و الكتابة و 21/10 لم يلج الى المدرسة قط . هنا يستخلص بكون وعي الآباء ضعيفا جدا و نسبة الجهل مكتسحة لديهم . أما بالنسبة لأمهات المتعلمات فمنهم 21/19 يعملنا ربات بيوت و 21/5 فقط من يعرفن القراءة و الكتابة و 21/14 لم تلجن الى المدارس قط ، ليتضح بأن الأمهات يعانون ارتفاع نسبة الأمية عن الرجال في القرى و القلة القليلة من تحصلت على تعليم ابتدائي فقط . الا أن هناك شيئا يثير الانتباه رغم أن نسبة الوعي لدى الآباء و الأمهات ضعيفة جدا ، فرغبتهم في تعليم أبنائهم جامحة جدا و اتضحت من دراسة العينة أن من 21/18 يدعمون و يشجعون أبنائهم على الدراسة .

بعد طرح المعطيات الأسرية للعينة، لم يتبقى سوى المعطيات الشخصية للمتعلمات. هنا ، ننطلق من موقع المدرسة بالنسبة للسكن الذي تقطن فيه المتعلمات ، حيث حصلنا على 21/9 بعيدة جدا عن المدرسة ، 21/6 قريبة منها ، اي هناك نوع من المشقة التي تعاني منها المتعلمات حيال ذهابهم للمدرسة بسبب البعد و عدم توفر وسائل تقربهم منها . فعند دراستنا لمستواهم التعليمي بخصوص المواد الصعبة و السهلة بالنسبة لهم ، تم الحصول على : أن 21/15 كلهم يعانون صعوبة كبيرة بخصوص مادة الفرنسية ، و 21/12 يتمكنون من اللغة العربية بسهولة و يسر . مما يستلزم اعادة النظر في المناهج المخصصة لمادة اللغة الفرنسية و طريقة تدريسها في مرحلة الاشهادية الابتدائية . كما ينبغي أخذ بعين الاعتبار بأن 21/10 لم يتلقين تعليما أوليا و 21/7 فقط من تسمع بإصغاء للدرس و 21/18 فقط من تفهم ما تكتبه .

من كل ذلك ، يتضح و تتبين المعاناة التي تلحق الفتاة القروية في اتمام مشوارها الدراسي ، فكما نعلم أن بناء الأجيال الصاعدة ، يحتاج الى تظافر الجهود بين الأسرة و المؤسسة و الشارع و الاعلام . أي أن اللبنة الأساسية هي الأسرة ، فكلما كانت نسبة الوعي مرتفعة لدى الأبوين كان تحصيل تعلمات الأبناء جيد و العكس صحيح . ما يجعلنا نستشرف الأفضل أن الآباء المتمدرسين و غير المتمدرسين في القرى قد وعوا قيمة العلم و المؤسسة و بدأوا يفتحون أفقا لأبنائهم ، رغم انحيازهم أكثر لتعليم الذكور على الفتاة . هذا من ناحية المعطى الأسري ، أما بخصوص الصعوبات التي تلحق الفتاة في التعلم ، فمن بينها كونها لم تتلقن تعليما أوليا قبل ولوجها الى المدرسة ، مما يتولد عنه صعوبة في فهم و اصغاء لدرس المدرس/ة.
بقلم : لبنى بطاهر

2 8

لبنى بطاهر

أستاذة فلسفة ,باحثة في سلك الماستر
زر الذهاب إلى الأعلى